بقلم : حسين باهميل
ماذا يرجو اليمنيون من نخبة عاشت أكثر من ستين عاماً من التآمر والغدر والخيانة لرفاقها في النضال؟
بعد أكثر من ستة عقود من التحولات، والثورات، والانقلابات، والمصالحات، ما يزال اليمنيون يطرحون السؤال ذاته: هل يمكن أن يولد الأمل من رحم الخيانة؟ وهل يمكن لنخبة اعتادت الغدر برفاقها، وخيانة المبادئ، وبيع الأوطان في سوق السياسة أن تصنع مستقبلًا مختلفًا عن ماضيها المظلم؟
منذ فجر الاستقلال في الجنوب وثورة سبتمبر في الشمال، توالت النخب السياسية والعسكرية والفكرية على واجهة المشهد اليمني، تحمل الشعارات ذاتها: “الوحدة، الحرية، العدالة، والكرامة”. لكنها ما لبثت أن أظهرت وجهها الآخر — وجه الانقسام، والدم، والطمع. فالنخب التي رفعت راية التحرير كانت هي ذاتها التي وأدت الحلم الوطني بأيديها، وتآمرت على رفاقها، ثم على الوطن كله.
لقد أثبت التاريخ أن هذه النخبة، سواء كانت في عدن أو صنعاء، لم تكن ترى في الوطن مشروعاً للنهضة، بل سُلّماً للسلطة. وعندما تصل، تكسر السلم وتُسقط من صعد معها. لم تترك خلفها سوى ركام الأوهام، ومقابر للأحلام، وخرائط من الدم تمزق الوطن بين قبيلة وحزب ومنطقة.
إنّ من عاش ستين عاماً من التجارب ولم يتعلم منها، لا يمكن أن يُرجى منه خير. بل إنّ من تعلّم كيف يخون رفاقه، ويُبرّرها باسم “المرحلة”، سيخون وطنه باسم “المصلحة العليا”. وهكذا تحولت النخبة اليمنية إلى نظامٍ مغلق من التبريرات، كلما سقط أحدهم رفع شعار الوطنية، وكلما نهب، لبس عباءة الثورة، وكلما خان، تغنّى بالوحدة.
أما الشعب اليمني — المطحون بين أحلامه ومآسيه — فقد أدرك متأخراً أن مشكلته ليست في الخارج، بل في نخبةٍ لم تعرف يوماً معنى الشرف السياسي ولا الوفاء للمبدأ. نخبةٍ قسّمت البلاد بين مشاريع متصارعة: هذا جمهوري بالوراثة ، وذاك اشتراكي متقاعد، وثالث سلالي مقيت ورابع لا يرى إلا القبيلة حزباً وأمة وخامسهم صاحب لحية وعمة .
وها نحن اليوم، بعد كل هذا الخراب، نسأل بمرارة:
ماذا نرجو من نخبةٍ صنعت كل هذا الألم؟
هل ننتظر منها أن تبني ما هدمته؟ أم أن تعتذر عن نصف قرن من التآمر؟
إنّ أول طريق الخلاص في اليمن هو تحييد هذه النخبة التي عاشت على دماء الناس وأحلامهم. فالوطن لا يُبنى بأيدٍ ملوثة بالخيانة، ولا بنفوسٍ اعتادت المساومة على المبادئ. اليمن اليوم بحاجة إلى جيلٍ جديد، يؤمن بالوطن لا بالمكسب، وبالعدالة لا بالمناصب، وبالوفاء لا بالدهاء السياسي
قد تعب اليمنيون من الخداع، وتعبوا من وعود من لا عهد لهم. ومن حقهم أن يقولوا:كفى تآمراً… كفى خيانة… فقد آن للوطن أن يتنفس بغير رائحة الغدر
